جدول المحتويات
Toggleتراجع الليرة التركية من جديد، من أهم الأخبار التي انتشرت عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، إذ فقدت نحو 19% من قيمتها خلال يوم واحد.
وهبطت العملة التركية إلى ستة ليرات مقابل الدولار في التعاملات الصباحية من يوم الجمعة، قبل أن تتعافى قليلاً ثم تعاود الانحدار مرة أخرى، فيما شهدت تراجعاً يفوق الخمسة بالمائة يوم الخميس.
ومنذ مطلع العام خسرت الليرة التركية ثلث قيمتها، ما وضعها ضمن قائمة العملات الأسوأ أداءً بالأسواق الناشئة، وأثار ازدياد التوجه لبيع العملة المحلية القلق حيال الانكشاف على تركيا، وعدم قدرة الشركات المثقلة بالديون على سداد القروض الواجبة باليورو أو الدولار. وعليه اتجه البنك المركزي التركي في الأشهر الماضية إلى رفع معدلات الفائدة والعمل على إجراءات نقدية متشددة لدعم العملة المحلية.
لكن اليوم ظهرت عوامل سياسية واقتصادية جديدة أعادت الليرة التركية إلى مسارها الهبوطي، ما دفع الرئيس رجب طيب أردوغان، لمطالبة الأتراك بتحويل مدخراتهم بالدولار إلى العملة المحلية، والتأكيد أن بلاده ستتجاوز الحرب الاقتصادية قائلاً: “لا داعٍ للقلق فلا يمكن إعاقة مسيرتنا بالدولار وسواه، إن كانوا يملكون دولارات، فنحن لدينا شعبنا، لدينا الحق ولدينا الله”.
تراجع العملة التركية بشكل حاد يترافق مع تصريحات مرتقبة لوزير المال براءة البيرق، حول النموذج الاقتصادي الجديد للبلاد.
ما أسباب تراجع الليرة التركية؟
الخسائر الجديدة التي سجلتها الليرة التركية تأتي نتيجة تفاقم الأزمة الدبلوماسية بين تركيا وأميركا، بسبب قضية القس الأميركي أندرو برانسون المحتجز في تركيا، والذي تم وضعه تحت الإقامة الجبرية بعد اعتقاله عام ونصف بتهم إرهاب وتجسس.
وبسبب عدم إطلاق سراح القس، فرضت الولايات المتحدة عقوبات ضد وزيري العدل والداخلية التركيين، ويبدو أن الأزمة بين البلدين ستتفاقم أكثر خصوصاً مع إعلان الرئيس الأمركي دونالد ترامب مضاعفة رسوم الصلب والألومنيوم على تركيا بنسب 50% و20% على التوالي، وقال أيضاً في تغريده كشف فيها عن الإجراءات العقابية الجديدة: “علاقاتنا مع تركيا ليست جيدة حالياً”.
وسبق أن اجتمع وفد تركي برئاسة نائب وزير الخارجية سادات أونال بمسؤولين من وزارتي الخارجية والخزانة الأميركيتين في واشنطن، في محاولة لحل الخلاف بين البلدين إلا أن هذه الجهود لم تؤتى ثمارها، وتركزت المحادثات على مواصلة احتجاز القس الأميركي آندرو برونسون في إزمير ومحاكمته بقضايا إرهاب.
ومن جهة أخرى، يرى البعض أن الأداء الأخير لليرة التركية سببه المخاوف من سيطرة رجب طيب أردوغان على السياسة النقدية، خصوصاً أنه يعارض فكرة رفع أسعار الفائدة للحد من التضخم ودعم العملة المحلية قائلاً: ” لا يتحمّس أولئك المتربصون بسعر صرف العملات الأجنبية والفائدة، فلن تتمكنوا من الكسب على حساب هذا الشعب وإخضاعه”.
وهناك من يرى أن تصريحات أدروغان حول محاولة وكالات التصنيف الائتماني الغربية وغيرها من الجهات إضعاف قوة الاقتصاد التركي، والتي يحاول من خلالها تهدئة الأتراك، أثارت قلق المستثمرين أكثر حول القدرة على تجاوز الأزمة وحل الخلاف مع أمريكا، خصوصاً مع عدم وجود خطة واضحة للدفع باقتصاد البلاد إلى الأمام.
وعبّر خبراء في دويتشه بنك عن قلقهم من الوضع الحال بالقول: “ما زالت هناك تحركات كبيرة في تركيا وروسيا تمنع الجميع من الاستمتاع بالصيف”.
تبعات تراجع الليرة التركية
وأثار تراجع الليرة التركية مخاوف من التبعات السلبية التي ستؤثر على الاقتصاد التركي، وخصوصاً معدلات التضخم المرتفعة، الهاجس الأكبر للأسواق، إذ لم تتمكن الدولة على الحد من التضخم الذي وصل إلى مستوى 16% في يوليو (تموز)، وبالتالي ستضعف القدرة الشرائية للمستهلكين الأتراك، وستزيد تكلفة السلع المستوردة.
وعبر مراقب الوضع المالي الأوروبي بمنطقة اليورو عن قلقه من انكشاف بعض المصارف الأوروبية مثل مصرف بي.بي.في.إيه، وبي إن بي باريبا الفرنسي على القروض التركية.
وقبل شهرين، بدأت وحدة الاتزان المالي في البنك المركزي الأوروبي مراقبة مستويات القروض التي منحتها البنوك الأوروبية لتركيا خصوصاً أن القروض بالعملة الأجنبية تشكل حوالي 40% من أصول القطاع المصرفي التركي.
وفي سياق متصل، التخوف من أن تلقي تداعيات العملة المحلية بظلالها على كلفة التأمين على الديون التركية التي سجلت أعلى مستوى لها منذ نحو تسعة أعوام، بسبب تزايد بيع الليرة والسندات.
وفي العام الذي شهد محاولة الانقلاب الفاشلة 2016، بلغ حجم ديون الشركات التركية لنحو 190 مليار دولار، فيما كان الديون قبل عامين تساوي 570 مليار ليرة (كان الدولار يعادل 3 ليرات فقط).
الأسواق الأوروبية تتأثر سلباً بهبوط الليرة التركية
انعكس تراجع الليرة التركية سلباً على أداء السوق، حيث هبطت أسهم البنوك الأوروبية الدائنة لأنقرة، بي إن بي باريبا الفرنسي وأوني كريديت الإيطالي وبي بي في إيه الإسباني بحوالي 3%.
وتصدر القطاع المصرفي قائمة القطاعات الخاسرة بواقع 1.3%، وفي التعاملات الصباحية المبكرة هبط مؤشر ستوكس 600 الأوروبي بحوالي 0.5%.
أمام هذا الجدل والخلاف، يبقى هناك تفاؤل بتحسن الاقتصاد التركي، المتوقع أن ينمو 6% هذا العام، مدفوعاً بالتجارة الخارجية والسياسة المالية، وانضباط الميزانية العامة وتعزيز نسب الإيداع الائتماني ونشاط قطاع السياحة.
وتوقعت وزارة الخزانة والمالية التركية، نمو الاقتصاد بنحو 3 إلى 4% خلال العام القادم 2019، مع تقلص العجز في الميزانية إلى حوالي أربعة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وكان أداء الاقتصاد التركي الأفضل على مستوى العالم خلال العام الماضي 2017، بنمو تخطى السبعة بالمائة متجاوزاً توقعات المؤسسات المالية العالمية.
ونجحت تركيا في إحراز تقدم ضمن أكثر الاقتصادات تنافسية في العالم، لتحتل المرتبة 46 في مؤشر التنافسية العالمية لعام 2018.
ورجحت شركة برايس ووتر هاوس كوبرز أن ينمو الاقتصاد التركي بشكل ملحوظ خلال السنوات المقبلة، ليتبوأ المركز 12 على مستوى العالم بحلول 2030، لتتجاوز تركيا عدداً من الدول المتقدمة اقتصادياً، منها كوريا الجنوبية وإيطاليا.
جدير بالذكر أن اقتصاد تركيا يشغل المرتبة 17 ضمن أكبر اقتصادات العالم، وعلى مدى الخمسة عشر عاماً الماضية حققت البلاد نمواً%، فيما تخطط نحو الناتج الإجمالي المحلي قدره تريليوني دولار ومتوسط دخل فردي 25 ألف دولار بحلول 2030.
ما مدى فائدة هذا المنشور؟
انقر على نجمة لتقييمها!
متوسط تقييم 0 / 5. عدد الأصوات: 0
لا توجد أصوات حتى الآن! كن أول من يقيم هذا المنشور.