أخبار عاجلة

ما أفق العلاقات التجارية البريطانية الخليجية بعد بريكست؟

ما أفق العلاقات التجارية البريطانية الخليجية بعد بريكست
جدول المحتويات

تبدو المملكة المتحدة اليوم أمام رهان تاريخي عظيم -اتفاق بريكست -تدرك جيداً الكثير من عواقبه ومخاطره وفرصه أيضاً. إحدى هذه الفرص العظمى هو إنعاش وإعادة صياغة العلاقات التجارية البريطانية الخليجية، التي ستكون على المحك فور تحرر بريطانيا من علاقتها التاريخية بالاتحاد الأوروبي، فهل سيكون الحظ من نصيب جهود المملكة العظمى في القادم من الأيام؟

خسائر فادحة بدأت وأخرى ما زالت تنتظر، وقد أصبح واضحاً للجميع أن العودة عن قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لم يعد ممكناً أبداً اليوم. إذ تقول المؤشرات والدراسات إن كلفة اتفاق بريكست حتى الآن وصلت إلى حوالي ٦٥٠ مليون يورو أسبوعياً فقط، تكبدتها بريطانيا منذ بدأت إجراءات هذا الانفصال التاريخي.

أما بالنسبة للقادم فيتوقع الخبراء ارتفاع التضخم في المملكة المتحدة إلى ٥ بالمائة، فيما تشير توقعات أخرى إلى احتمالية انخفاض قيمة العملة البريطانية الجنيه الاسترليني حتى ١٥ إلى ٢٠ بالمائة بعد تنفيذ بريكست. خسارة العملة المحلية لقيمتها سيؤثر بالطبع على الانفاق الاستهلاكي، الذي يؤثر لاحقًا على مبيعات التجزئة، لان الافراد العاديين سيبدؤون بضبط نفقاتهم اليومية بسبب تراجع قدراتهم الشرائية.

ولكن هذا الجانب المظلم ليس كل شيء عن اتفاق الانفصال بين اتحاد القارة العجوز والمملكة العظمى، إذ ما تزال الفرص كبيرة أمام الدولة البريطانية لقلب المعادلات لصالحها من خلال إعادة صياغة كافة الاتفاقات التي كانت بريطانيا تنضوي فيها تحت مظلة الاتحاد الأوروبي.

تداول مع وسيط موثوق
الحائز على جوائز

إعادة الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية على سبيل المثال والذي سيتطلب تفاوضاً جديداً بين دول المنظمة وبريطانيا من أجل قبول إعادة انضمامها، وهنا تكمن فرص إنعاش العلاقات التجارية البريطانية الخليجية، التي قد تستغلها من أجل إعادة صياغة العلاقات التجارية مع دول مجلس التعاون الخليجي، وعقد اتفاقيات تجارة حرة أكبر.

الاتفاقية إن حصلت ستؤدي لزيادة فتح الأسواق بين الطرفين، مما سيعطي بريطانيا حرية أكبر في تعاملاتها التجارية مع دول الخليج العربي، الأمر الذي قد لا يكون ساراً كثيراً للاتحاد الأوروبي الذي سيكون المتضرر الرئيسي من احتمالات اقتصادية كهذه.

العلاقات التجارية البريطانية الخليجية قبل وبعد بريكست

رغم التوتر الذي ساد خلال السنوات الأخيرة داخل مجلس التعاون الخليجي، والذي أدى إلى انقطاع العلاقات الديبلوماسية بين الإمارات العربية المتحدة والسعودية والبحرين من جهة ومحاصرة دولة قطر من جهة أخرى.

إلا أن بريطانيا لازالت تتطلع إلى عقد اتفاقات تجارية حرة مع دول مجلس التعاون الخليجي، التي تسيطر على جزء لا يستهان به من حجم التجارة العالمية البريطانية منذ عقود، إذ تشير الإحصائيات إلى أنّ حجم تجارة بريطانيا مع دول المجلس تبلغ حوالي ٣٠ مليار جنيه استرليني، منها ١٧ مليار مع دولة الإمارات العربية المتحدة وحدها، الرقم الذي تأمل الحكومة البريطانية بقيادة رئيس وزرائها الجديد بوريسون جونسون أن تبلغ ال٢٥ مليار جنيه استرليني خلال العام القادم.

هذه العلاقات الاقتصادية الضخمة بين المملكة العظمى ودول الخليج الست ثاني أكبر شريك تجاري للمملكة خارج أوروبا، تعكس مصالحاً عميقاً، لا سيما في مجال الدفاع الذي تتولاه بريطانيا عبر إمداد دول الخليج بجزء كبير من المستلزمات العسكرية منذ بدايات القرن التاسع عشر، أما الجزء الآخر المهم في هذه العلاقات التجارية فيتجلى في قطاع الخدمات الصحية والتعليمية بشكل أساسي.

وهنا يجدر بنا ذكر أن هذا الميل إلى الانفتاح التجاري بين دول التعاون الخليجي وبريطانيا يتلاقى مؤخراً مع الطموحات الصينية في الانفتاح التجاري على هذه الشريكين الهامين بالنسبة لبكين، وبشكل خاص مع الحرب الاقتصادية التي تدور رحاها بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سدة الحكم. كل هذا يجعل من الطموحات التوسعية لبريطانيا ما بعد بريكست، طموحات قابلة للنضوج والازدهار بسرعة كبيرة، ولكن كل ذلك يبقى متوقفاً على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بأقل قدر ممكن من الخسائر التجارية والديبلوماسية على حد سواء!

كيف سينعكس بريكست على دول الخليج؟

يقول المثل الشهير مصائب قوم عند آخرين فوائد، ولربما قد ينطبق هذا المثل في القادم من الأيام على الاقتصاد الخليجي والمعيشة اليومية لسكان المدن التي باتت عالمية مثل مدينة دبي. إذ أن هذا الانفتاح التجاري الذي تريده بريطانيا على دول الخليج، سيعني ارتفاعاً في حجم الواردات والصادرات إلى دول مجلس التعاون الست.

في وقت سابق، أكد مدير مجلس التفاهم العربي البريطاني كريس دويل أن بريطانيا تتجه إلى توسعة الأعمال التجارية بينها وبين دول الخليج في العديد من القطاعات التجارية، سواء تلك القائمة بين الطرفين الآن مثل قطاع الدفاع والخدمات المالية، إضافة إلى الخدمات الصحية والتعليمية، أو المجالات الناشئة مثل قطاع الذكاء الاصطناعي والعلوم.

فإذا ما تكبدت المملكة المتحدة خسائر فادحة إثر الخروج من الاتحاد الأوروبي، فإن مثل هذه الاتفاقيات التجارية التي يجري التفاوض بشأنها منذ الآن، ستكون حبل نجاة وتعويض للكثير من تلك الخسائر ومساحة أمان في حال تدهور العلاقات الاقتصادية البريطانية الأوروبية والبريطانية الأميركية التي تمر بتوتر منذ تولي الرئيس دونالد ترامب الرئاسة في الولايات المتحدة.  لماذا تمر بتوتر؟ كان من الجيد ذكر السبب

وكان وزير التجارة الدولية البريطاني ليام فوكس قد صرح نهاية أيار الماضي، أن بلاده قد عينت مسبقاً أول مفوض تجاري لها في دولة الإمارات، بهدف رفع الاستثمارات المتبادلة بين الطرفين، مؤكداً على أن بلاده ترى في منطقة الخليج العربي مفتاحاً لازدهار عالمي بشكل عام، وازدهار بريطاني مستقبلي بشكل خاص.

أما بالنسبة لدول الخليج التي بدأت قبل سنوات العمل على مشاريع تنويع نشاطها الاقتصادي وتقليل الاعتماد على الثروة النفطية، فتجد في مثل هذه الشراكة المحتملة فرصة كبيرة في الحصول على شريك تجاري يملك الخبرة والتقنية لخدمة هذا التحول والتحدي الاقتصادي الكبير، وبشكل خاص في عملية خصخصة القطاع العام، وخفض الاعتماد عليه كمورد أساسي لعمليات التوظيف، فضلاً عن رفع كفاءته، الأمر الذي سيكون بمقدور المملكة المتحدة المساعدة فيه بشكل كبير لخبرتها في هذا المجال منذ ثمانينيات القرن الماضي وعمليات الخصخصة التي قامت بها الحكومة آنذاك وكانت نتائجه مبهرة، جاعلة من الاقتصاد البريطاني خامس أكبر اقتصاد في العالم في يومنا هذا!

وأخيراً على الجانب السياسي فإن الحفاظ الشراكة البريطانية الخليجية العميقة بشكل خاص في مجال الدفاع، سيكون ضامناً لدول الخليج مقابل التوتر والتهديد المستمر الذي يبرز بالتدخلات الإيرانية في المنطقة منذ عقود، وكان المتحدث باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد صرح مسبقاً نهاية العام ٢٠١٦ أنّ بلاده ترى في صنع منطقة أكثر رخاءً واستقراراً في منطقة الخليج، سيصب بشكل أساسي في مصلحة بلاده، التي لن توفر جهداً لإعادة صياغة علاقات بريطانيا بالخليج بطريقة بنّاءة بعد بريكست.

ما مدى فائدة هذا المنشور؟

انقر على نجمة لتقييمها!

متوسط ​​تقييم 0 / 5. عدد الأصوات: 0

لا توجد أصوات حتى الآن! كن أول من يقيم هذا المنشور.

كما وجدت هذه الوظيفة مفيدة ...

تابعنا على وسائل التواصل الإجتماعي!

واتساب
تلغرام
البريد الإلكتروني
سكايب
فيسبوك
تويتر
مقالات ذات صلة